فصل: هل يجوز للمسلم أن يقتني الإنجيل؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا‏}‏ ‏.‏

أما بعد ‏:‏

فإن من أكبر نعم الله علينا أن حفظ هذا الدين برجاله المخلصين، وهم العلماء العاملون الذين كانوا أعلاماً يهتدى بهم وأئمة يقتدى بهم وأقطاباً تدور عليهم معارف الأمة، وأنواراً تتجلى بهم غياهب الظلمة، فهم السياج المتين الذي حال بين الدين وأعدائه، والنور المبين الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم، وهم شهداء الله في أرضه، فليس في الأمة كمثلهم ناصحاً مخلصاً، يعلمون أحكام الله ويعظون عباد الله ويقودون الأمة لما فيه الخير والصلاح، فهم القادة حقاً، وهم الزعماء المصلحون، وهم أهل الخشية ‏{‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء‏}‏ ‏.‏ لهذا وغيره، كان على الأمة أن تعرف حقهم وتدعو لهم وتقوم بما يجب لهم، ومن ذلك نشر علمهم بين الأمة حتى يستفيد العام والخاص منه، ومن هذا المنطلق استعنت بالله عز وجل على جمع فتاوي فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى ‏.‏

وقد بدأت في جمعها مساء يوم الأربعاء الموافق 22/2/1407هـ، بعد أن أخذت الإذن والموافقة على ذلك من فضيلة الشيخ، وقد جمعتها من فتاوي نور على الدرب و فتاوي الحرم المكي لأعوام 1406، 1407، 1408 هـ، وكذلك من أشرطة فقه العبادات، وبعض المحاضرات، وما ينشر في الصحف والمجلات من الفتاوي وما يرسله إلي الشيخ من فتاوى بالإضافة إلى مصادر أخرى ، وكنت أعرض ما أجمعه على فضيلة الشيخ فيقرؤه بنفسه ويصححه بعناية فائقة، وقد أعطى الشيخ هذه الفتاوي الكثير من وقته الثمين حتى كانت ترافقه في أسفاره، فجزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء ‏.‏ وقد بدأ الشيخ حفظه الله في المراجعة يوم الجمعة الموافق /1407 هـ ‏.‏

ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الأسئلة قد تتكرر وفي ذلك جملة من الفوائد لا تخفى، منها أن بعض الإجابات تكون مختصرة وبعضها متوسط وبعضها مطول، ولكلٍّ طالب، كما أن الأدلة تتنوع في تلك الفتاوى بحيث يجتمع لدى القارىء أكثر من دليل في المسألة الواحدة، إلى غير ذلك من المصالح ‏.‏ وقد أسميت ما جمعته ‏"‏ مجموع فتاوي ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ‏"‏ ‏.‏ فوافق فضيلة الشيخ على هذه التسمية مشكوراً ‏.‏

وفي ختام هذه الكلمة أحمد الله تعالى على ما من به ويسره من جمع هذه الفتاوي وأتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، على ما بذله ويبذله من جهد عظيم لخدمة هذا المجموع، وأسال الله عز وجل له حسن المثوبة والدرجات العلا، كما أسأله تعالى أن يحسن لنا وله العاقبة في الأولى والآخرة، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يجعل أعمالنا خالصة مقبولة عنده، نافعة لعباده، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ‏.‏

كتبه

فهد بن ناصر السليمان

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

التوحيد

‏(‏1‏)‏ سئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين ‏:‏ عن تعريف التوحيد وأنواعه‏؟‏

فأجاب حفظه الله بقوله ‏:‏ التوحيد لغة ‏:‏ ‏"‏ مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً ‏"‏ وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى المُوحَّد، وإثباته له، فمثلاً نقول ‏:‏ إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله عز وجل ويثبتها لله وحده، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً ‏:‏ ‏"‏ فلان قائم ‏"‏ فهنا أثبتَّ له القيام لكنك لم توحده به، لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا القيام، ولو قلت ‏:‏ ‏"‏ لا قائم ‏"‏ فقد نفيت محضاً ولم تثبت القيام لأحد، فإذا قلت‏:‏ ‏"‏لا قائم إلا زيد ‏"‏ فحينئذ تكون وحدت زيداً بالقيام حيث نفيت القيام عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي إن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً ‏.‏

وأنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام وهو ‏"‏ إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به ‏"‏ ‏.‏

وهي حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة ‏:‏

الأول ‏:‏ توحيد الربوبية ‏.‏

الثاني ‏:‏ توحيد الألوهية ‏.‏

الثالث ‏:‏ توحيد الأسماء والصفات ‏.‏

وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء و النظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع ‏:‏

الأول ‏:‏ توحيد الربوبية ‏:‏ وهو ‏"‏ إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير ‏"‏ وتفصيل ذلك ‏:‏

أولاً‏:‏بالنسبة لإفراد الله تعالى بالخلق فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه قال الله تعالى ‏:‏

{‏هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار ‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏.‏ فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخَلْقُهُ يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لأفعال العباد كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏.‏

ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏}‏ ‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين ‏:‏ ‏(‏يقال ‏:‏ لهم ‏:‏ أحيوا ما خلقتم‏)‏‏؟‏

فالجواب على ذلك ‏:‏ أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله - عز وجل - فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء كما يحول الطين إلى صورة طير أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل، هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله، عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق ‏.‏ وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به ‏.‏

ثانياً ‏:‏ إفراد الله تعالى بالملك فالله تعالى وحده هو المالك كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ‏}‏ ‏.‏ فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ‏}‏ ‏.‏ وقوله ‏{‏إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ ‏.‏ إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه ولهذا نهى النبي، صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقال الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً‏}‏ ‏.‏ وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ‏.‏

ثالثاً ‏:‏ التدبير فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله سبحانه وتعالى ‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏.‏ وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء ‏.‏ والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق فظهر بذلك صدق صحة قولنا ‏:‏ إن توحيد الربوبية هو ‏"‏ إفراد الله بالخلق والملك، والتدبير ‏"‏ ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ توحيد الألوهية وهو ‏"‏ إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ‏"‏ بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم، وهو الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية، والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الألوهية بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله عز وجل، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية، وبتوحيد الأسماء والصفات ‏.‏ فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات لكنيعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ‏.‏ فلو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار، قال الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ ‏.‏ ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم، وأموالهم وسبى نساءهم، وذريتهم، وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال ‏.‏

النوع الثالث ‏:‏ توحيد الأسماء والصفات وهو ‏"‏ إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل ‏"‏ ‏.‏ فلابد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل، وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى ‏:‏

منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوّاً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة ‏.‏ لكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف ولا تعطيل،ولا تكييف، ولا تمثيل ‏.‏

مثال ذلك ‏:‏ أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء ‏.‏ وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس ‏.‏

مثال آخر ‏:‏ قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء‏}‏ ‏.‏ فهنا قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ‏}‏ فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تينك اليدين ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله سبحانه وتعالى يقول‏:‏

{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏.‏ ويقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏.‏ ويقول عز وجل ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏.‏ فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏.‏ وقد عصى الله تعالى في قوله ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ‏}‏ ‏.‏ ومن كيفهما وقال ‏:‏ هما على كيفية معينة أيّاً كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لا يعلم وقطا ما ليس له به علم ‏.‏

ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات ‏:‏ وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ ‏{‏اسْتَوَى‏}‏ وبلفظ ‏{‏عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ وأمثالها من الآيات ‏:‏ أنه علا على عرشه علوّاً خاصاً غير العلو العام على جميع الأكوان وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة فهو عالٍ على عرشه علوّاً يليق به عزَّ وجلَّ لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام، ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏ ‏.‏ فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه، لأن الله ليس كمثله شيء ‏.‏

وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال ‏:‏ إن معنى استوى على العرش استولى على العرش ، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم و التابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله عز وجل‏.‏ والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله سبحانه وتعالى ‏:‏ ‏{‏إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏.‏ ومقتضى صيغة ‏"‏ استوى على كذا ‏"‏ في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ ‏.‏ فمعنى استوى على العرش أي ‏:‏ علا عليه علوّاً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً ‏.‏

ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ هل ورد لفظ صريح عن السلف بأنهم فسروا استوى بـ ‏"‏ علا ‏"‏‏؟‏

قلنا ‏:‏ نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً فإن الأصل فيما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باق على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى فيكون إثبات السلف له على هذا المعنى ‏.‏

أما اللوازم الباطلة التي تلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء فهي ‏:‏

أولاً ‏:‏ أن العرش قبل خلق السماوات والأرض ليس ملكاً لله تعالى لأن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ ‏.‏

وعلى هذا فلا يكون الله مستولياً على العرش قبل خلق السماوات ولا حين خلق السماوات والأرض ‏.‏

ثانياً ‏:‏ أنه يصح التعبير بقولنا ‏:‏ إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته وهذا بلا شك ولا ريب معنى باطل لا يليق بالله عز وجل ‏.‏

ثالثاً ‏:‏ أنه تحريف للكلم عن مواضعه ‏.‏

رابعاً ‏:‏ أنه مخالف لإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم ‏.‏

وخلاصةُ الكلام في هذا النوع - توحيد الأسماء والصفات - أنه يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل ‏.‏

‏(‏2‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل الإيمان هو التوحيد‏؟‏

فأجاب حفظه الله بقوله ‏:‏ التوحيد ‏:‏ ‏"‏ إفراد الله عز وجل بما يختص به ويجب له ‏"‏ ‏.‏ والإيمان هو ‏"‏ التصديق المتضمن للقبول والإذعان ‏"‏ ‏.‏

وبينهما عموم وخصوص فكل موحد مؤمن وكل مؤمن موحد بالمعنى العام ‏.‏

ولكن أحياناً يكون التوحيد أخص من الإيمان، والإيمان أخص من التوحيد ‏.‏ والله أعلم ‏.‏

‏(‏3‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن شرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ بالنسبة لشرك المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس شركاً في الربوبية، لأن القرآن الكريم يدلُّ على أنهم إنما كانوا يشركون في العبادة فقط ‏.‏

أما في الربوبية فيؤمنون بأن الله وحده هو الربٌّ، وأنه مُجيبُ دعوة المضطرين، وأنه هو الذي يكشف السوء إلى غير ذلك مما ذكر الله عنهم من إقرارهم بربوبية الله عز وجل وحده ‏.‏ولكنهم كانوا مشركين بالعبادة يعبدون غير الله معه، وهذا شرك مخرج عن الملة، لأن التوحيد هو عبارة - حسب دلالة اللفظ - عن جعل الشيء واحداً، والله - تبارك وتعالى - له حقوق يجب أن يفرد بها وهذه الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام ‏:‏

1 ‏.‏ حقوق ملك ‏.‏

2 ‏.‏ حقوق عبادة ‏.‏

3 ‏.‏ حقوق أسماء وصفات ‏.‏

ولهذا قسم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام‏:‏ توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة ‏.‏

فأما توحيد الربوبية ‏:‏ فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالخلق والملك والأمر، كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ‏}‏ ‏.‏ فالخلق والأمر- وهو التدبير- هو الربوبية وهو مختص بالله عز وجل فلا خالق إلا الله ولا مالك ولا مدبر إلا الله عز وجل ‏.‏

وأمَّا توحيد الأسماء والصفات ‏:‏ فهو إفراد الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته بحيث يؤمن العبد بما أثبت الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه الذي أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الوجه اللائق به من غير إثبات مثيل له، لأن إثبات المثيل لله تعالى شرك به ‏.‏

وأما توحيد العبادة ‏:‏ فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، بمعنى أن تعبد الله مخلصاً له الدين، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ‏}‏ ‏.‏ فالمشركون إنما أشركوا في هذا القسم، قسم العبادة حيث كانوا يعبدون مع الله غيره، وقد قال الله تبارك وتعالى ‏:‏

{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا‏}‏ ‏.‏ أي في عبادته ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى في سورة الإخلاص‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ‏}‏ ‏.‏

وقولي ‏:‏ في سورة الإخلاص يعني إخلاص العمل فهي سورة إخلاص العمل وإن كانت تسمى سورة الكافرون لكنها في الحقيقة سورة إخلاص عملي كما أن سورة ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ سورة إخلاص علمي وعقيدة ‏.‏ والله الموفق ‏.‏

‏(‏4‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ حفظه الله ‏:‏ عمن يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن، والظن لا تبنى عليه العقيدة أن نقول ‏:‏

هذا رأي غير صواب لأنه مبني على غير صواب وذلك من عدة وجوه ‏:‏

1‏.‏ القول بأن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صدقه، كما إذا تلقته الأمة بالقبول مثل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ فإنه خبر آحاد ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما ‏.‏

2‏.‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الآحاد بأصول العقيدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإرساله حجة ملزمة، كما بعث معاذاً إلى اليمن واعتبر بعثه حجة ملزمة لأهل اليمن بقبوله ‏.‏

3‏.‏ إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد أمكن أن يقال ‏:‏ ‏:‏ والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد، لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا، وإذا قبل هذا القول تعطل كثير من أحكام الشريعة، وإذا رد هذا القول فليرد القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بينا ‏.‏

4‏.‏ أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلاً فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة فقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ‏}‏ ‏.‏ وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدد ‏.‏

والحاصل أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صدقه أفاد العلم وثبتت به الأحكام العملية والعلمية، ولا دليل على التفريق بينهما، ومن نسب إلى أحد من الأئمة التفريق بينهما فعلية إثبات ذلك بالسند الصحيح عنه، ثم بيان دليله المستند إليه ‏.‏

‏(‏5‏)‏ سئل الشيخ ‏:‏ هل يجوز للمسلم أن يقتني الإنجيل ليعرف كلام الله لعبده ورسوله عيسى عليه الصلاة والسلام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ لا يجوز اقتناء شيء من الكتب السابقة على القرآن من إنجيل أو توراة أو غيرهما لسببين‏:‏

السبب الأول ‏:‏ أن كل ما كان نافعاً فيها فقد بينه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ‏.‏

السبب الثاني ‏:‏ أن في القرآن ما يغني عن كل هذه الكتب لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ ‏.‏ وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ‏}‏ ‏.‏ فإن ما في الكتب السابقة من خير موجود في القرآن ‏.‏

أما قول السائل ‏:‏ إنه يريد أن يعرف كلام الله لعبده ورسوله عيسى، فإن النافع منه لنا قد قصه الله في القرآن فلا حاجة للبحث في غيره، وأيضاً فالإنجيل الموجود الآن محرف، والدليل على ذلك أنها أربعة أناجيل يخالف بعضها بعضاً وليست إنجيلاً واحداً، إذن فلا يعتمد عليه ‏.‏

أما طالب العلم الذي لديه علم يتمكن به من معرفة الحق من الباطل فلا مانع من معرفته لها لرد ما فيها من الباطل وإقامة الحجة على معتنقيها ‏.‏

‏(‏6‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وغيرها من أمور الدين‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ قاعدة أهل السنة والجماعة في العقائد وغيرها من أمور الدين، هو التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه الخلفاء الراشدون من هدي وسنة، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏}‏ ولقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا‏}‏ ‏.‏ ولقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا‏}‏ ‏.‏

وهذا وإن كان في قسمة الغنائم فهو في الأمور الشرعية من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، فيقول‏:‏ ‏(‏أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار‏)‏‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏

والنصوص في هذا كثيرة، فطريق أهل السنة والجماعة ومنهاجهم هو التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ومن ذلك أنهم يقيمون الدين ولا يتفرقون فيه امتثالاً لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏ ‏.‏ وهم وإن حصل بينهم من الخلاف ما يحصل مما للاجتهاد فيه مساغ، فإن هذا الخلاف لا يؤدي إلى اختلاف قلوبهم بل تجدهم متآلفين متحابين، وإن حصل منهم هذا الاختلاف الذي طريقه الاجتهاد ‏.‏

أهل السنة والجماعة

‏(‏7‏)‏ سئل فضيلة الشيخ رفع الله درجته في المهديين من هم أهل السنة والجماعة‏؟‏

فأجاب حفظه الله تعالى بقوله ‏:‏ أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، وسموا أهل الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها ‏.‏

وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة ‏.‏

‏(‏8‏)‏ وسئل حفظه الله تعالى عن افتراق أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أنَّ اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وَأَنَّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرقةكلها في النار إلا واحدة ، وهي ما كان عاى مثل ما كان عليه النبى، صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية التي نجت في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله عز وجل ‏.‏

وهذه الفرق الثلاث والسبعون التي واحدة منها على الحق والباقي على الباطل ‏.‏ قد حاول بعض الناس أن يعددها، وشعّب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعاً ليصلوا إلى هذا العدد الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت بل قد ضل أناس ضلالاً أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة، وقالوا ‏:‏ إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الزمان عند قيام الساعة، فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي صلى الله عليه وسلم ونقول ‏:‏ إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ثم نقول ‏:‏ كل من خالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق، وقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعاً كما ذهب إليه بعض الناس فالعلم عند الله عزَّ وجلّ ‏.‏

‏(‏9‏)‏ وسئل الشيخ ‏:‏ عن أبرز خصائص الفرقة الناجية‏؟‏ وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملة، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها‏:‏ ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من التوحيد الخالص في ألوهية الله، وربوبيته، وأسمائه وصفاته ‏.‏

وفي العبادات تجد الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات في أجناسها، وصفاتها، وأقدارها، وأزمنتها، وأمكنتها، وأسبابها، فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله، بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله ‏.‏

وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين، وانشراح الصدر، وطلاقة الوجه، وحسن المنطق والكرم والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها ‏.‏

وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق، والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما‏)‏ ‏.‏

والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية لكن لكل درجات مما عملوا، والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية‏.‏ أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته‏.‏

وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة، والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله تعالى في قوله ‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏ ‏.‏

وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منهم فقال الله عز وجل ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏.‏ فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً، ولا عداوة، ولا بغضاء بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء، مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم، لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشى على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال ‏:‏ ‏(‏لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة‏)‏ ‏.‏ فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ‏:‏ ‏(‏لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة‏)‏ ‏.‏ ومنهم من صلى الصلاة في وقتها، وقال ‏:‏ إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها وهؤلاء هم المصيبون ولكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة، أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذلك أري أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة، والآخر إلى طائفة أخرى، والثالث إلى طائفة ثالثة، وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد، ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر ‏.‏

فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة، أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين، أو للإسلام وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة ‏.‏

‏(‏10‏)‏ وسئل جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً عن المراد بالوسط في الدين‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله عز وجل ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله سبحانه وتعالى ‏.‏

الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والغلو في الدين أن يتجاوزها، والتقصير أن لا يبلغها ‏.‏

مثال ذلك‏:‏ رجل قال أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر، لأن الصلاة من أفضل العبادات فأحب أن أحيي الليل كله صلاة فنقول ‏:‏ هذا غال في دين الله وليس على حق، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا، اجتمع نفر فقال بعضهم ‏:‏ أنا أقوم ولا أنام، وقال الآخر ‏:‏ أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث ‏:‏ أنا لا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال، عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏(‏ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا‏؟‏ أنا أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني‏)‏ فهؤلاء غلوا في الدين وتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم التي فيها صوم وإفطار، وقيام ونوم، وتزوج نساء ‏.‏

أما المقصر ‏:‏ فهو الذي يقول ‏:‏ لا حاجة لي بالتطوع فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط، وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصر ‏.‏

والمعتدل‏:‏هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ‏.‏

مثال آخر ‏:‏ ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق، أحدهم قال ‏:‏ أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وأبتعد عنه ولا أكلمه ‏.‏

والثاني يقول ‏:‏ أنا أمشي مع هذا الفاسق وأسلم عليه وأبش في وجهه وأدعوه عندي وأجيب دعوته وليس عندي إلا كرجل صالح ‏.‏

والثالث يقول ‏:‏ هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه، فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره ‏.‏

فنقول ‏:‏ الأول مفرط غالٍ - من الغلو- والثاني مفرط مقصر والثالث متوسط ‏.‏

وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق الناس فيها بين مقصر وغال ومتوسط ‏.‏

ومثال ثالث ‏:‏ رجل كان أسيراً لامرأته توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم ولا يحثها على فضيلة، قد ملكت عقله وصارت هي القوّامة عليه ‏.‏

ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم ‏.‏

ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله ‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏(‏لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر‏)‏ ‏.‏ فهذا الأخير متوسط والأول غالٍ في معاملة زوجته، والثاني مقصر ‏.‏ وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات ‏.‏

الإيمان والإسلام

‏(‏11‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن تعريف الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان‏؟‏

فأجاب حفظه الله بقوله ‏:‏ الإسلام بالمعنى العام هو ‏:‏ ‏"‏ التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رسله، منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة ‏"‏ فيشمل ما جاء به نوح صلى الله عليه وسلم من الهدى والحق، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى، ويشمل ما جاء به إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، إمام الحنفاء، كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل ‏.‏

والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لأن ما بعث به صلى الله عليه وسلم نسخ جميع الأديان السابقة فصار من اتبعه مسلماً، ومن خالفه ليس بمسلم، لأنه لم يستسلم لله بل استسلم لهواه، فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، والنصارى مسلمون في زمن عيسى، عليه الصلاة والسلام، وأما حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله مساو لدين الإسلام، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام، لأن الله عز وجل يقول ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ‏}‏ ‏.‏ ويقول ‏:‏ ‏{‏وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ‏}‏ ‏.‏ وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏.‏ وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على الإسلام، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ولا ينفعهم يوم القيامة، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً، ولهذا يخطئ خطأ كبيراً من يصف اليهود والنصارى بقوله إخوة لنا، أو أن أديانهم اليوم قائمة لما أسلفناه آنفاً ‏.‏

وإذا قلنا ‏:‏ إن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع شمل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً فيشمل الدين كله عقيدة، وعملاً، وقولاً، أما إذا قرن الإسلام بالإيمان فإن الإسلام يكون الأعمال الظاهرة من نطق اللسان وعمل الجوارح، والإيمان الأعمال الباطنة من العقيدة وأعمال القلوب، ويدل على هذا التفريق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ‏}‏ ‏.‏ وقال تعالى في قصة لوط‏:‏ ‏{‏فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏.‏ فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقاً الذين دخل الإيمان في قلوبهم ويدل لذلك - أي للفرق بين الإسلام والإيمان عند اجتماعهما - حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان‏؟‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت‏)‏ ‏.‏ وقال في الإيمان ‏:‏ ‏(‏أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره‏)‏ ‏.‏

فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ويدخل فيه الإيمان، وأنه إذا قرن مع الإيمان فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها ‏.‏

‏(‏12‏)‏ سئل الشيخ أعظم الله مثوبته ‏:‏ عن تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو ‏"‏ الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح ‏"‏ ‏.‏ فهو يتضمن الأمور الثلاثة ‏:‏

1 ‏.‏ إقرار بالقلب ‏.‏

2 ‏.‏ نطق باللسان ‏.‏

3 ‏.‏ عمل بالجوارح ‏.‏

وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا، ولهذا قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏{‏رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي‏}‏ ‏.‏ فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة، وذكر للجنة والنار يزداد الإيمان حتى كأنه يشاهد ذلك رأي العين، وعندما توجد الغفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه ‏.‏

كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من ذكر الله عشر مرات ليس كمن ذكر الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير ‏.‏

وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص‏.‏

وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص،وقد جاء ذلك في القرآن والسنة-أعني إثبات الزيادة والنقصان-قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا‏}‏ ‏.‏

وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ ‏.‏وفي الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏(‏ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن‏)‏ ‏.‏ فالإيمان إذاً يزيد وينقص ‏.‏

ولكن ما سبب زيادة الإيمان‏؟‏

للزيادة أسباب ‏:‏

السبب الأول ‏:‏ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله، وبأسمائه، وصفاته ازداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه ‏.‏

السبب الثاني ‏:‏ النظر في آيات الله الكونية، والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ‏}‏ ‏.‏ والآيات الدالة على هذا كثيرة أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانه ‏.‏

السبب الثالث ‏:‏ كثرة الطاعات فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً سواء كانت هذه الطاعات قولية، أم فعليه‏:‏ فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم، والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية ‏.‏

أما أسباب النقصان فهي على العكس من ذلك ‏:‏

فالسبب الأول ‏:‏ الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه ‏.‏

السبب الثاني ‏:‏ الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه ‏.‏

السبب الثالث ‏:‏ فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏)‏ ‏.‏ الحديث ‏.‏

السبب الرابع ‏:‏ ترك الطاعة فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر، فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة، أو واجبة لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض بل هي مأمورة بذلك لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عنه من هذا الوجه ‏.‏

‏(‏13‏)‏ وسئل أيضاً ‏:‏ كيف نجمع بين حديث جبريل الذي فسر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بـ ‏(‏أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏ ‏.‏ وحديث وفد عبد القيس الذي فسر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان ‏"‏ بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من الغنيمة ‏"‏‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول ‏:‏ إن الكتاب والسنة ليس بينهما تعارض أبداً، فليس في القرآن ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يناقض بعضه بعضاً، وليس في القرآن ولا في السنة ما يناقض الواقع أبداً، لأن الواقع واقع حق، والكتاب والسنة حق، ولا يمكن التناقض في الحق، وإذا فهمت هذه القاعدة انحلت عنك إشكالات كثيرة ‏.‏ قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا‏}‏ ‏.‏ فإذا كان الأمر كذلك فأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تتناقض فإذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بتفسير، وفسره في موضع آخر بتفسير آخر يعارض في نظرك التفسير الأول، فإنك إذا تأملت لم تجد معارضة ‏:‏ ففي حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، قسم النبي صلى الله عليه وسلم الدين إلى ثلاثة أقسام ‏:‏

القسم الأول ‏:‏ الإسلام ‏.‏

القسم الثاني ‏:‏ الإيمان ‏.‏

القسم الثالث ‏:‏ الإحسان ‏.‏

وفي حديث وفد عبد القيس لم يذكر إلا قسما واحداً وهو الإسلام ‏.‏

فالإسلام عند الإطلاق يدخل فيه الإيمان لأنه لا يمكن أن يقوم بشعائر الإسلام إلا من كان مؤمناً فإذا ذكر الإسلام وحده شمل الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده شمل الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان يتعلق بالقلوب، والإسلام يتعلق بالجوارح، وهذه فائدة مهمة لطالب العلم فالإسلام إذا ذكر وحده دخل فيه الإيمان قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ‏}‏ ‏.‏ ومن المعلوم أن دين الإسلام عقيدة وإيمان وشرائع، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان ما يتعلق بالقلوب، والإسلام ما يتعلق بالجوارح، ولهذا قال بعض السلف ‏:‏ ‏"‏ الإسلام علانية، والإيمان سر ‏"‏ ‏.‏ لأنه في القلب، ولذلك ربما تجد منافقاً يصلي ويتصدق ويصوم فهذا مسلم ظاهراً غير مؤمن كما قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏.‏

‏(‏14‏)‏ وسئل ‏:‏ كيف نجمع بين أن الإيمان هو ‏"‏ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ‏"‏ ‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الإيمان بضع وسبعون شعبة‏)‏ ‏.‏‏.‏ إلخ‏"‏‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة وهي المذكورة في حديث جبريل، عليه الصلاة والسلام، حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال ‏:‏ ‏(‏الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏‏.‏ متفق عليه ‏.‏

وأما الإيمان الذي يشمل الأعمال،وأنواعها،وأجناسها فهو بضع وسبعون شعبة،ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيماناً في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏.‏ قال المفسرون ‏:‏ إيمانكم يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة كانوا يصلون إلى المسجد الأقصى ‏.‏

‏(‏15‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنَّ الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها‏)‏‏؟‏

فأجاب حفظه الله بقوله ‏:‏ هذا الحديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها‏)‏ ‏.‏

و ‏"‏ يأرز ‏"‏ بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم، ومعنى ‏"‏ يأرز ‏"‏ يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه، وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها ‏.‏

وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضاً، فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة، ومكة هي المهبط الأول للوحي، لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة، فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان ‏.‏

وقال بعض أهل العلم ‏:‏ إن هذا إشارة إلى أمر سبق، وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية ‏.‏

ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح ‏.‏

‏(‏16‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ هل يشهد للرجل بالإيمان بمجرد اعتياده المساجد كما جاء في الحديث‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ نعم لا شك أن الذي يحضر الصلوات في المساجد، حضوره لذلك، دليل على إيمانه، لأنه ما حمله على أن يخرج من بيته ويتكلف المشي إلى المسجد إلا الإيمان بالله عز وجل ‏.‏

وأما قول السائل ‏:‏ ‏"‏ كما جاء في الحديث ‏"‏ فهو يشير إلى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان‏)‏ ‏.‏ ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏17‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن هذا التقسيم للإيمان هل هو صحيح أو لا‏:‏ الإيمان خمسة ‏:‏ إيمان مطبوع وهو إيمان الملائكة، وإيمان معصوم وهو إيمان الأنبياء،وإيمان مقبول وهو إيمان المؤمنين،وإيمان مردود وهو إيمان المنافقين، وإيمان موقوف وهو إيمان المبتدعة‏"‏ ‏.‏‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏أقول في هذا التقسيم‏:‏إنه ليس بصحيح، لا من أجل التقسيم لأن التقسيم قد يكون صحيحاً في أصله ولا مشاحة في الإصطلاح والتقسيم ،لكنه ليس بصحيح في حد ذاته فإن المنافقين قد نفى الله الإيمان عنهم في القرآن فقال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏.‏ وإيمان البشر مطبوعون عليه لولا وجود المانع المقاوم ‏.‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه‏)‏ ‏.‏ صحيح أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، وصحيح أن الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن أن يرتدوا بعد إيمانهم، ولكن التقسيم الثاني غير صحيح وهو أنه جعل الملائكة مطبوعين على الإيمان دون البشر، والبشر كما تقدم قد طبعوا على الإيمان بالله وتوحيده، وخير من ذلك أن نرجع إلى تقسيم السلف الصالح لأنه هو التقسيم الذي يكون مطابقاً للكتاب والسنة للإجماع عليه ‏.‏ وهو أن الإيمان قول باللسان،وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان ‏.‏

‏(‏18‏)‏ سئل الشيخ ‏:‏ عن رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله عز وجل وهو خائف من ذلك جداً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها، أقول له ‏:‏ أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة، لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين، ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم، ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليهم صفو الإيمان، بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين ‏.‏

وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان، ولا هي آخر حال، بل ستبقي ما دام في الدنيا مؤمن ‏.‏ ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة رضي الله عنهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‏:‏ ‏(‏جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه ‏:‏ إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال ‏:‏ أو قد وجدتموه‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم، قال ‏:‏ ذاك صريح الإيمان‏)‏ ‏.‏ رواه مسلم، وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا‏؟‏من خلق كذا‏؟‏ حتى يقول من خلق ربك‏؟‏ ‏!‏ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته‏)‏ ‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال ‏:‏ إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلى من أن أتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة‏)‏ ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في كتاب الإيمان ‏:‏ والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره ‏.‏ كما قالت الصحابة ‏:‏ ‏(‏يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به ‏.‏ فقال ‏:‏ ‏"‏ذاك صريح الإيمان‏"‏‏)‏ وفي رواية ‏"‏ما يتعاظم أن يتكلم به‏"‏ ‏.‏ قال ‏(‏الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة‏)‏ ‏.‏ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا عظيم الجهاد،إلى أن قال‏:‏‏"‏ ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم ، لأنه ‏(‏أي الغير‏)‏ لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى ‏"‏ أ ‏.‏ هـ ‏.‏ المقصود منه ذكره في ص 147 من الطبعة الهندية ‏.‏

فأقول لهذا السائل ‏:‏ إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها، واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها، والانتهاء عن الانسياب وراءها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم‏)‏ ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

وأنت لو قيل لك ‏:‏ هل تعتقد ما توسوس به‏؟‏ وهل تراه حقّاً‏؟‏ وهل يمكن أن تصف الله سبحانه به‏؟‏ لقلت ‏:‏ ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك، وكنت أبعد الناس نفوراً عنه، إذاً فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك، وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ليرديك ويلبس عليك دينك ‏.‏

ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن، فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمة كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى، وليس فيها ساكن ونحو ذلك، إذ لا غرض للشيطان في تشكيك الإنسان فيها، ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن، فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه، ويوقعه في ظلمة الشك والحيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء، وهو قوله ‏:‏ ‏(‏فليستعذ بالله ولينته‏)‏ ‏.‏ فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه، بحول الله، فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه، ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك، إذاً فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها، كما لو انفتح على شخص طاهر الثوب قد غسل ثوبه لحينه ثم أخذ الوهم يساوره لعله تنجس لعله لا تجوز الصلاة به، فإنه لا يلتفت إلى هذا ‏.‏

ونصيحتي تتلخص فيما يأتي ‏:‏

1‏.‏ الاستعاذة بالله، والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏

2‏.‏ ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في الوساوس ‏.‏

3‏.‏ الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله ‏.‏ وابتغاء لمرضاته، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجد وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله ‏.‏

4‏.‏ كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر ‏.‏

وأسأل الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه ‏.‏

‏(‏19‏)‏ وسئل أيضاً ‏:‏ عن شخص يوسوس إليه الشيطان بهذا السؤال ‏:‏ ‏"‏ من خلق الله‏؟‏ ‏"‏ فهل يؤثر ذلك عليه‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا الوسواس لا يؤثر عليه وقد أخبر النبي، عليه الصلاة والسلام، أن الشيطان يأتي إلى الإنسان فيقول ‏:‏ من خلق كذا‏؟‏ من خلق كذا‏؟‏ إلى أن يقول ‏:‏ من خلق الله‏؟‏ وأعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدواء الناجع وهو أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي عن هذا ‏.‏

فإن طرأ عليك هذا الشيء وخطر ببالك فقل ‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وانته عنه وأعرض إعراضاً كلياً وسيزول بإذن الله ‏.‏

‏(‏20‏)‏ وسئل الشيخ ‏:‏ هل يجب على الكافر أن يعتنق الإسلام‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ يجب على كل كافر أن يعتنق دين الإسلام ولو كان نصرانياً أو يهودياً، لأن الله تعالى يقول في الكتاب العزيز ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏ ‏.‏ فواجب على جميع الناس أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا الدين الإسلامي من رحمة الله عز وجل وحكمته أنه أباح لغير المسلمين أن يبقوا على ديانتهم بشرط أن يخضعوا لأحكام المسلمين فقال تعالى ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ ‏.‏ وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال ‏:‏ ‏(‏ادعهم إلى ثلاث خصال – أو خلال - فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‏)‏ ‏.‏ ومن هذه الخصال أن يبذلوا الجزية ‏.‏

ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الجزية تقبل من غير اليهود والنصارى ‏.‏

فالحاصل أن غير المسلمين يجب عليهم إما الدخول في الإسلام، وإما الخضوع لأحكام الإسلام، والله الموفق ‏.‏

‏(‏21‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ كيف يمكن الجمع بين الأحاديث الآتية ‏:‏ ‏(‏كان الله ولم يك شيء قبله، وكان عرشه على الماء وكتب بيده كل شيء ثم خلق السماوات والأرض‏)‏ ‏.‏ وفي مسند الإمام أحمد عن لقيط بن صبرة قلت ‏:‏ ‏(‏يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه‏؟‏ قال ‏:‏ كان في عماية ‏.‏‏.‏‏)‏ وحديث ‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم‏)‏ ‏.‏ فظاهر هذه الأحاديث متعارض في أي المخلوقات أسبق في الخلق، وكذلك ما جاء أن أول المخلوقات هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله‏:‏ هذه الأحاديث متفقة مؤتلفة وليست بمختلفة ، فأول ما خلق الله من الأشياء المعلومة لنا هو العرش واستوى عليه بعد خلق السماوات،كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً‏}

وأما بالنسبة للقلم فليس في الحديث دليل على أن القلم أول شيء خلق، بل معنى الحديث أنه في حين خلق القلم أمره الله بالكتابة، فكتب مقادير كل شيء ‏.‏

وأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو كغيره من البشر، خلق من ماء أبيه عبد الله بن عبد المطلب، ولم يتميز على البشر من حيث الخلقة، كما قال عن نفسه ‏:‏ ‏(‏إنما أنا بشر أنسى كما تنسون‏)‏ ‏.‏ فهو عليه الصلاة والسلام، يجوع، ويعطش، ويبرد، ويصيبه الحر، ويمرض، ويموت فكل شيء يعتري البشرية من حيث الطبيعة البشرية فإنه يعتريه، لكنه يتميز بأنه يوحى إليه وأنه أهل للرسالة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏ ‏.‏